اكتشاف سرعة الضوء

من اكتشف سرعة الضوء؟

سرعة الضوء هي واحدة من أهم الثوابت في الفيزياء الحديثة، ويعد فهمها جزءاً أساسياً من العديد من المجالات العلمية والتقنية. تَطوَّر فهمنا لسرعة الضوء عبر التاريخ، وكان وراء هذا التطور العديد من العلماء الذين ساهموا في اكتشافاتها وفهمها. في هذا المقال، سوف نتناول تاريخ اكتشاف سرعة الضوء، وأهم الاكتشافات التي ساعدت في تحديد قيمتها، والطرق المختلفة التي استخدمها العلماء لقياسها.

البداية مع الفلاسفة القدماء

في العصور القديمة، كان الفهم العلمي للضوء والظواهر المتعلقة به محدوداً للغاية، حيث كانت معظم الآراء تتأثر بالمفاهيم الفلسفية والدينية. كان الفلاسفة اليونانيون، مثل أرسطو، يعتقدون أن الضوء يتحرك بسرعة غير محددة، بل كانوا يعتقدون أن الضوء ينتقل على الفور من مصدره إلى مكانه النهائي. ومع ذلك، لم يكن هناك أي تجارب علمية دقيقة لتأكيد هذه الأفكار.

تجربة جاليليو: أول محاولة لقياس سرعة الضوء

واحدة من أولى المحاولات لقياس سرعة الضوء جاءت في القرن السابع عشر من خلال عالم الفلك الإيطالي جاليليو غاليلي. في عام 1638، أجرى جاليليو تجربة باستخدام مصباحين يدويين. كان يُريد أن يقيس الوقت الذي يستغرقه الضوء للسفر من نقطة إلى أخرى. كانت الفكرة تقوم على أن جاليليو سيشعل مصباحاً في مكان ما، ثم ينتظر لحظة معينة ليشعل مصباحاً آخر عن بعد، ويقيس الوقت الذي يستغرقه الضوء للانتقال بين المصباحين.

رغم أن هذه التجربة كانت مبتكرة في ذلك الوقت، إلا أنها لم تنجح في قياس سرعة الضوء بدقة، وذلك بسبب أن جاليليو لم يكن قادراً على ملاحظة الفروق الزمنية الدقيقة بين إشعال المصباحين. لذلك، لم يستطع جاليليو أن يحصل على نتيجة دقيقة في قياس سرعة الضوء، بل كل ما استطاع أن يحدده هو أن الضوء كان يتحرك بسرعة كبيرة جداً، لكن ليست سرعة غير محدودة كما كان يُعتقد سابقاً.

رينيه ديكارت و النظرية الميكانيكية

في القرن السابع عشر أيضاً، قدّم الفيلسوف والعالم الفرنسي رينيه ديكارت نظريته التي تفسر سرعة الضوء على أنها ظاهرة ميكانيكية، وكان يعتقد أن الضوء ينتقل من مكان إلى آخر مثلما تفعل الموجات. على الرغم من أن فكرته كانت تُعتبر متقدمة في ذلك الحين، إلا أنه لم يكن قد اكتشف طريقة لقياس السرعة الدقيقة للضوء.

إسحاق نيوتن وسرعة الضوء

عندما جاء إسحاق نيوتن في أواخر القرن السابع عشر، كان قد أضاف الكثير من الفهم إلى موضوع الضوء، من خلال اكتشافاته في البصريات، مثل دراسة انكسار الضوء وتفسير ألوان الطيف. ومع ذلك، كانت أفكار نيوتن عن الضوء تسير في اتجاه مختلف. كان نيوتن يرى الضوء على أنه جسيمات صغيرة (أو كما أطلق عليها “الجسيمات الضوئية”)، وظل هذا الرأي سائدًا لفترة طويلة.

رغم أن نيوتن لم يكن قد تمكن من قياس سرعة الضوء، فقد أشار إلى أن الضوء يتحرك بسرعة هائلة، وأكد أن الضوء كان يحمل خصائص مثل الجسيمات التي تتحرك بسرعة كبيرة.

التقدم نحو قياس سرعة الضوء

أصبح من الواضح بحلول القرن التاسع عشر أن الضوء يجب أن يكون له سرعة محددة. لكن السؤال الذي كان يطرح نفسه هو: كيف يمكن قياس هذه السرعة؟ بدأ هذا الموضوع يتحول إلى تحدٍ علمي حقيقي. في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ العلماء في استخدام تقنيات أكثر دقة، مثل المرايا المتحركة والمعدات البصرية المتطورة، لقياس سرعة الضوء بشكل أكثر دقة.

تجربة أولاف رودولف: قياس أولي لسرعة الضوء

في عام 1676، قام العالم الدنماركي أولي رودولف بتجربة تُعد من أوائل التجارب الحديثة لقياس سرعة الضوء. استخدم رادولف في تجاربه نظامًا من المرايا المتحركة وأجرى ملاحظات على كيفية انتقال الضوء بين نقطتين. ورغم أن تجربته لم تكن دقيقة بشكل كامل، إلا أنها كانت أول خطوة في اتجاه قياس سرعة الضوء.

ألفريد هنري وجون فانديرمير: أول قياس دقيق لسرعة الضوء

في عام 1849، قام الفيزيائي الأمريكي جون فانديرمير بمسعى أكبر في قياس سرعة الضوء باستخدام معدات دقيقة. استطاع باستخدام جهاز يدعى “المرايا المتحركة” أن يقيس سرعة الضوء بدقة أكبر، حيث قدّر السرعة بـ 299,792 كيلومتر في الثانية.

التجربة التاريخية من هنري هيرش

في عام 1879، قام الفيزيائي الأمريكي هنري هيرش بتقديم تجربة شديدة الدقة عبر استخدام جهاز يسمى “المايكروفون الكهروضوئي”، والذي كان يرسل الضوء عبر أنابيب طويلة ثم يقيس الزمن الذي يستغرقه الضوء للانتقال عبر الأنابيب.

كانت هذه التجربة قد حققت تقدماً كبيراً نحو تحديد سرعة الضوء، ومن خلالها تم تأكيد أن سرعة الضوء ليست لا نهائية، بل محددة ولها قيمة ثابتة.

ماكسويل والمعادلات الرياضية

في منتصف القرن التاسع عشر، قدم العالم الفيزيائي جيمس كليرك ماكسويل مجموعة من المعادلات الرياضية التي أظهرت أن الضوء هو نوع من الموجات الكهرومغناطيسية. وقد ساعدت هذه المعادلات في تأكيد أن الضوء يسير بسرعة ثابتة في الفراغ. وقد أتاح ذلك للعلماء بشكل عام في القرنين التاسع عشر والعشرين تطوير فهم أعمق لسرعة الضوء، وخاصة في تفسير طبيعة الموجات الضوئية.

قياس السرعة في القرن العشرين

مع تقدم التكنولوجيا في القرن العشرين، أصبحت القياسات أكثر دقة. في عام 1926، استخدم ميشيلسون تقنية المرايا المتحركة لحساب سرعة الضوء، وفي هذا العام قام بحساب السرعة بشكل دقيق للغاية ووفقًا لتقنيات متقدمة، حيث تم تقدير سرعة الضوء بحوالي 299,792.458 كيلومتر في الثانية.

هذه القياسات الدقيقة أدت إلى اعتماد هذه القيمة كقيمة ثابتة في علوم الفيزياء الحديثة.

ماذا عن الأبحاث الحديثة؟

في الأبحاث الحديثة، تعتبر سرعة الضوء من الثوابت الأساسية في نظرية النسبية التي وضعها ألبرت أينشتاين في بداية القرن العشرين. حيث أظهرت معادلاته أن سرعة الضوء في الفراغ هي نفس القيمة لجميع المراقبين، بغض النظر عن الحركة النسبية بينهم.

خاتمة

إن اكتشاف سرعة الضوء وتحديد قيمتها الدقيقة يعدّ أحد الإنجازات الكبرى في تاريخ العلم. ومن خلال الجهود المستمرة للعلماء على مر العصور، تمكنا من الوصول إلى تقدير دقيق لهذه السرعة الثابتة التي تُعدّ أساساً لفهم العديد من الظواهر الفيزيائية في الكون.